سلسلة فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق
من صحيح البخاري
لفضيلة الشيخ
أبي إسحق الحويني
(الحلقة الأولى)
أن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أخرج الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من كتاب الجزية والموادعة من حديث جبير بن حيّة رحمه الله، قال: ندبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى غزو كسرى، وأمّر علينا النعمان بن مقرن، فلما وصلنا لأرض العدو، خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، وقال لترجمانه: ليكلمني أحد منكم. فقال له المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: سل عمّا شئت. قال: ما أنتم؟ ولم يقل لهم من أنتم احتقاراً لهم. فقال المغيرة: نحن ناس من العرب، كنا في بلاء شديد، وشقاء شديد، فينما نحن كذلك إذ بعث رب السموات والأرضين تعالى ذكره وجلّتْ عَظَمته، رسولا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فدعانا إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. قال: كنا نلبس الشعر والوبر، ونعبد الشجر والحجر، حتى أتانا رسول ربنا تعالى ذكره وجلت عظمته، فدعانا إلى الله سبحانه وتعالى، وأمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عن رسالة ربنا تبارك وتعالى أن من مات منا دخل جنةً لم ير مثلها قط، ومن عاش منا مَلَك رقابكم. من آخر كلام المغيرة رضي الله عنه آخذ الخيط في هذه الحلقة التي أجعلها مقدمة بين يدي شرحي لكتاب الرقاق من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى ورضي عنه.
مشكلتنا الكبيرة هي ضعف الانتماء، نحن أمة ولادة، ليست هناك أمة من الأمم على الإطلاق فيها من نباهة الرجال وصدق انتمائهم مثل ما لأمتنا. لخّص المغيرة القضية كلها، وبيّن دور هذه الأمة وأنها بُعثتْ لتعمَّ عبادةُ الله تعالى الأرض، وأنه لا يجوز أن يرفع رأسه في الأرض إلا هذه الأمة التي وحّدتْ ربها عز وجل، وأن الكافر لا يجوز له أن يرفع رأسه، لأنه لا يستحق أن يأكل وأن يشرب من هذا الخير الذي جعله الله عز وجل بين يديه، إما أن يدفع الجزية صاغراً، وإما أن يعبد الله تبارك وتعالى.
هذه هي الرجولة، والرجولة معنًى كبير، ليست مرادفة للذكورة، إن من النساء فيه من صفات الرجولة ما ليس عند الذكور. الرجولة نباهة وفداء ونجدة ونبل ومروءة. كان الصحابة الأوائل الذين قاموا بهذا الدين رجالا كما وصفهم اللع عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ رِجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ} ، وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح، وصححه ابن حِبان وغيره، من حديث جابر رضي الله عنه قال: ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس غلى الله، ويتتبع الناس في بيوتهم وفي المواسم- أي في مواسم الحج- يقول: "من يؤويني؟ ومن ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة" حتى إن الرجل ليخرج من مضرَ فيأتيه قومه ويقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك. وكان يمشي بينهم يدعو إلى الله عز وجل يشيرون إليه بالأصابع- أي احتقاراً له- كما قال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَيُزْلِقُوْنَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوْا الذِّكْرَ وَيَقُوْلُوْنَ إِنَّهُ لَمَجْنُوْن}، يزلقونك بأبصارهم أي ينظرون إليك النظر الشزر احتقاراً ويقولون إنه لمجنون، قال جابر رضي الله عنه: حتى بعثنا الله عز وجل إليه من يثرب فأتيناه فآمنا به وصدّقناه، وكان الرجل منا يسمع منه الكلام فينقلب إلى أهله فيتلوه عليهم، فقلّ بيتٌ من بيوت المدينة- طيبة- إلا وفيه نفر من المسلمين يظهرون الإسلام. ثم ائتمرنا جميعا- وكانوا سبعين رجلا- فقلنا: "إلى متى يطرد النبي صلى الله عليه وسلم في جبال مكة ويخاف؟" هذا هو معنى الرجولة، إلى متى يطرد، وإلى متى يخاف!.. "فواعدناه شعب العقبة، فلما وافوه في موسم الحج، قالوا: يا رسول الله! علامَ تُبايعنا؟ قال: تبايعونني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى أن تأمروا بالعروف وتنهوا عن المنكر، ولا تخافون في الله لومة لائم، وإذا أتيت إليكم تمنعونني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ولكم الجنة. فقام أسعد بنُ زرارة- وكان أصغر السبعين- فقال: هلمّ. قال للذين معه: على رسلكم، فوالله إنا لم نضرب إليه آباط المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، ولكن إخراجه هو مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، وإما إذا آنستم منكم جبناً فبيّنوا، فهو أعذر لكم". هذا كلام أسعد، يقول إن تبني هذه الدعوة معناها أننا سنفارق العرب ونقاتلهم فيقتل خيارنا وأن تمسنا السيوف، فهو أمر من اثنين، إما أنكم رجال تصبرون على ذلك فلكم الجنة، وإذا خشيتم من أنفسكم جبنا فبيّنوا منذ الآن، حتى يكون أعذر لكم عند الله عز وجل، أي لا تقل أنا رجل ولست برجل، لا تقل أنا أستطيع وأنت غير مستطيع، هذا معنى كلام أسعد بنِ زرارة رضي الله عنه وكان أصغر هؤلاء السبعين. فلمّا قال أسعد ذلك قالوا: أمط عنا يدك يا أسعد، فوالله لا نُقيل هذه البيعة ولا نسليها، فقمنا عليه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة.
أمتنا أمّة ولاّدة، نحن أمة متخصصة في صناعة الرجال، نحن أمة جنباتها ملآنة بالمواهب، ما الذي جرى؟ إننا نسمع اليوم أصواتًا ينعق أصحابها بسبّ السلف الأوائل، وتحقيرهم، وإظهارهم كأنهم قوم لا يفهمون.
قبل أن آتي إلى هنا، كنتُ عند بعض إخواني، فرأيت في بعض القنوات الفضائية، برنامجا بم يستغرق نظري أكثر من خمس دقائق، ثم انصرفت عنه. في هذه الدقائق الخمس كان الحوار عن الإمام الخاري، وكانت الحلقة فيما يبدو عن النقل والعقل، فأورد المتحدث مسألتين، كان يتكلم عن البخاري، وأنْ ليس كل كلام جاء في البخاري نسلم به. المقطع الأول من كلامه: كان يتعلق بحديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في صلح الحديبية. هذا حديث رواه البخاري رحمه الله. في هذا الحديث لما جاء عروة بن مسعود الثقفي- وكان إذ ذاك كافرا- وكان هناك مفاوضات، وبديل بن ورقاء جاء قبل عروة بن مسعود، وفاوض النبي عليه الصلاة والسلام وقال له ما قالت قريش، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لبديل: "نحن ما جئنا لقتال، وإن شاءت قريش ماددتهم مدة أخرى على أن يخلوا بيني وبين الناس، وإلا والله لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي- أي صفحة العنق-سأقاتلهم ولولم يبق معي أحد". أي لو قاتلت أنا وحدي سأقاتل على هذا الأمر. قال بُديل: سأبلغهم ما قلت. قم جاء الدور على عروة بن مسعود الثقفي. وقبل أن ينطلق عروة جاءه أشراف قريش فقال لهم: ألستم بالوالد؟- أي أنتم مني بمنزلة الوالد- قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟- أي أنا منكم بمنزلة الولد- قالوا: بلى. قال: هل تتهمونني؟ قالوا: لا. قال: دعوني حتى أدهب إليه. فجاء عروة بن مسعود الثقفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه وفيهم أبو بكر رضي الله عنه، فبدأ عروة كلامه متنفخاً متبحجاً، قال: يا محمد! إنها واحدة من ثنتين. أن تحدث حرب بينك وبين قومك، فهل رأيت أحدا اجتاح قومه قبلك؟! وغن كانت الأخرى فوالله ما أرى حولك إلا أوباشاً خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: أ نحن نفرّ وندعه؟ امصص بظر اللات. فلما سمع عروة هذا الكلام انزعج، هذا سبّ بليغ لآلهتهم. فقال: من هذا؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ابن أبي قحافة. فقال عروة له: لولا أن لك عليَّ يداً لأجبتك. انتهى الكلام، ثم جيء بوضوء، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يتوضأ، فرأى عروة عجبا من العجب، ما سقطت قطرة ماء على الأرض، فقد كان الصحابة يتلقفون بقايا وضوئه صلى الله عليه وسلم، ما تنخم البين صلى الله عليه وسلم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يرفعون الصوت عنده، ولا يحدون النظر إليه تعظيما له. رأى عروة هذا المنظر فرجع إلى قومه. ولأرجو أن تستحضر الان طريقة كلامه الأولى- جاء متنفخاً في مركز قوة فقريش منعته من الوصول إلى البيت وحبسته- فرجع عروة إلى قريش ورفع التقرير التالي. قال: ياقوم! والله لقد وفدتُ على الملوك، وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي، فوالله ما رأيت أصحاب ملك يعظمون مليكهم كتعظيم أصحاب محمد محمداً، فوالله ما سقطت قطرة ماء على الأرض، وما تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، وكانوا لا يحدون النظر إليه تعظيما له، ولا يرفعون الصوت عنده، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. قبل قليل كان يقول له: ما أرى حولك إلا أوباشا- أي لا تتكثر بهم فإنهم أوباش من رعاع الناس وسَقَطتهم فلا تتكئ عليهم- فلما رأى هذا المنظر علم أن أمثال الذين يتقاتلون على نخامته صلى الله عليه وسلم لا يُسْلِمونه أبداً حتى تخرج الروح.
اعتراض المتكلم يقول: بأي شيء نقدم الإسلام إلى الناس؟! نخامة! إنه شيء "يقرف" وقع النخامة في يد رجل يدلك بها وجهه وجلده! شيء "يقرف" هذا الحديث مكذوب. لماذا كذّبه؟ لأنه لم يذق طعم الحب الذي ذاقه الصحابة ومن ذاق عرف، "ويا لائمي! لو كان قلبك عند قلبي لعذرتني"، فأنا أستغرب، ففي دنيا الناس الآن، الأم، حين يلفظ ابنها الصغير الطعام من فمه، أفلا تأكله؟ هذا شيء "يقرف" أيضا ومع ذلك، تأكله الأم ولا تشعر بهذا "القرف" الذي يتكلم عنه هذا المتكلم. الإنسان المحب، الإنسان العاشق، لا يسيّره إلا مراضي من يحب، كل شيء يأتيه من حبيبه فهو حسن، لا يرى في حبيبه عيبا إذا كانت محبته كاملة، فمن رأى في حبيبه عيبا فمحبته معلولة، فيعترض بمثل هذا. لكنه كما قلت لا ذاق ولا عرف.
إن أكثر هؤلاء يعترضون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بلا كتاب منير ولا بينة واضحة، وليس عندهم من الأصول العلمية التي كانت عند علمائنا ما يتكئون عليه في تسديد الفهم، لم يقرؤوا، بل لعل الواحد من هؤلاء لا يحسن أن يقرأ في كتاب الله آية على الوجه الذي نزلت به.
الحديث الثاني- وأنا لا أريد أن أسهب من الكلام لو فنحت هذا الباب فالكلام طويل- الذي كذّبه وقال: هذا مكذوب. حديث عمرو بن ميمون، قال: "رأيت الرجمَ في الجاهلية- قبل أن يسلم- رأيت قردةً زَنتْ، واجتمعت القرود وجمتْها، ورجمتُها معهم". يقول هذا الكلام مكذوب لأن الرجم ونحوه في بني آدم وليس في الحيوانات. القصة هكذا أوردها الإمام البخاري مختصرة، هذه القصة أوردها أبو بكر الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري من طريق آخر عن عمرو بن ميمون مطولاً. الشاهد: هل يمكن لإنسان أن يتصور أن البخاري رحمه الله مع ما رزق من الفهم العالي جدا- كما سيمر بنا وسترون إن شاء الله عز وجل العجب العاجب من تبويبات البخاري ومن فهم البخاري لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم-فهذا الإمام الذي عُقدتْ عليه الخناصر وصار كلمة إجماع، وسار اسمه على مدار القرون كالشمس في رابعة النهار يجهل أن الحيوانات غير مكلفة؟ في أي موضع روى البخاري هذا الحديث؟ هل أورده في كتاب الحدود مثلا؟ في باب الرجم؟ حتى يقال: أورده في باب الرجم فهو يرى ان القرود لما رجمت كانت مكلفة؟ لا. أين أورد البخاري هذا الحديث في صحيحه؟ وضعه في كتاب: "مناقب الأنصار" تحت تبويب: "القسامة في الجاهلية"، أي أن البخاري ما قصد قط أن يقول إن القرود رجمت، لأنه لو أراد هذا المعنى لوضعه في كتاب الحدود باب الرجم. ثم، الإسناد صحيح؛ لأنه ورد من طريق آخر. فلما صحّ الإسناد فإن هذا المتكلم يقول: مهما كان الإسناد صحيحا فالمتن فيه علة. ما هي العلة؟ قال: القرود غير مكلفة. أريد أن اعرف شيئا، ما دام قد صح الإسناد إلى عمرو، إلى القائل، إذن فقد قال هذا القول. إذن عمرو بن ميمون قد قال هذا القول، يبقى في رؤية عمرو نفسه، فإذا أخطأ عمرو بن ميمون في توصيف القصة لا يُقال الحديث كذب، إنما يقال: أخطأ عمرو بن ميمون فقط. فأنت من تكذب؟ عمرو بن ميمون؟ الصادق الأمين، رجل أمانته في الذروة، وضبطه كالمسمار في الساج، نقل منظرا رآه بعينيه. أتقول: هو كذاب؟ لا يحل لك أن تقول ذلك إذا ثبت السند إليه أنه قال هذا الكللام. لكن من الممكن أن تقول: غلط عمرو بن ميمون. فقط ولا تقل: الحديث كذب. ولا تقل في البخاري أحاديث مكذوبة، إنما تقول: غلط عمرو بن ميمون.
هل عمرو بن ميمون غلط؟ وهل عمرو بن ميمون- هذا التابعي الجليل- كان يجهل أن الرجم موضوع عن الحيوانات، وأنه لا يكون إلا في المكلفين؟ هل كان عمرو يجهل هذه الحقيقة؟ لا. لكن المنظر الذي رآه عمرو رأى فيه شبها بما يكون عند بني آدم، فلا قصد زنا، ولا قصد حداً. هذا هو الموضوع، ونحن نعرف ان القرد شبيه ببني آدم في كثير من حركاته، حتى قا ل القائل: إن الإنسان في الأصل قرد. بسبب ماذا؟ حين تنظر إلى القرد وإلى حركاته وأكله وشرب ويمشي على رجلين وإن كان لا يسير كهذا مسافة طويلة، وله أصابع كبني آدم، ويأكل ويقشر الأكل كبني آدم بالضبط، وعلماء الحيوان يقولون: إن عند القرد من الغيرة على العِرض مثل بني آدم. ويقال: إن القرد إذا تزوج لا يعدو إلى قردة أخرى. هذه مواصفات، عمرو بن ميمون رأى أن القصة- للذي لا يعرفها في تفصيل أبي بكر الإسماعيلي- إن قرداً عجوزا وزوجته قردة شابة نائمة على ذراعه، جاء قرد شاب "بصبص لها" وأصل البصبصة تحريك الذيل، فانسلت برفق وخفة من على ذراع القرد العجوز، وذهبت مع القرد الشاب. يقول عمرو بن ميمون: فواقعها وأنا أنظر. - فهذا شيء يراه كما هو واضح- فبعد أن قضت مأربها رجعت فوضعت رأسها على يد القرد العجوز، بمجرد أن أحس القرد برأسها على ذراعه وشمّها صرخ، وجعل يصرخ ويشير إليها، قال: فأتت القرود بالقرد الذي واقعها وأنا أعرفه. فحفروا لهما حفرة في الأرض، وصاروا يرجمونهما بالحجارة إلى أن ماتا.
هذا هو الذي رآه عمرو بن ميمون، وهو حق وصدق، يبقى توصيف عمرو بأن هذا "رجم"، أليس في هذا شبه؟ أليس هذا هو الرجم؟ ما هو رجم الزاني المحصن؟ إذا زنا وثبت عليه الزنا بالطائق الشرعية المعروفة، يحفر له وللزانية معه حفرة إلى نصف الجسم، لا يظهر إلا بعض الصدر والرأس، ثم يرجم بالحجارة حتى يموت. هذا هو الرجم الذي اتفق علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة جميعا على إثباته بالأدلة الصحيحة الكثيرة. فحين تنظر إلى حقيقة الرجم عند بني آدم، وإلى حقيقة الرجم عند عمرو بن ميمون، يمكنك أن تقول: هذا رجم. لكن ما قصد عمرو بن ميمون زنا ولا قصد حدا، إنما هي مسألة شبه. فالبخاري لا يُعترض عليه بمثل هذا. خذ من هذا الزخم في الفضائيات والإذاعات وفي الجرائد والمجلات، خذ من هذا الزخم كثيرا جدا، أناس يعترضون وليس عندهم حجة بينة.
إذا كان الكلام يمكن تأويله على وجه صحيح فلا يرد، وهذا كلام معروف عند أهل العلم. القصد يا إخوان أن أمتن أمة عظيمة ولادة، من هذه الأمة ذاك الإمام- الإمام البخاري- وقبل أن أدلف وأدخل على كتاب الرقاق، أنا أريد أن أبين من هو البخاري، إن أكثر الناس يعرف لقبه ولا يعرف اسمه فضلا عن حياته، وحياة البخاري لا أستطيع أن أسهب فيها، وقد ترجمت للبخاري- قبل ثلاث سنوات- في المسجد ترجمة مسهبة استغرقت ثمان ساعات، ثمانية مجالس في ترجمة الإمام البخاري، وأنا لم أسهب ولم آخذ راحتي في الكلام، فأنا لا أستطيع بطبيعة الحال ان أتوسع ذلك التوسع الكبير في ترجمة البخاري، لكن، لعل الترجمة قد تستغرق الحلقة القادمة أيضا، ولا بأس لأن هذا فيه شحذ للهمم، ويعرف قدر شرف المرء بجلالة العامل، فكلما كان العامل جليلا رفيع القدر، كان الذي يخرج منه على مثل وزنه:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. .:. .:. .. وتأتي على قدر الكرام المكارم
وأقول هذا تحفيزا للشباب وتحفيزا لطلبة العلم ليعلموا أن الذود عن دين الله عز وجل لم يكن في عصر نحن في أمسّ الحاجة إليه كهذا العصر الذي كثر فيه المروق والزندقة والكفر والفجور، وتصدر الآن قوانين في جنبات الأرض أن لكل إنسان أن يتكلم بما يريد، فيقال لك: هذه حرية رأي، لا تحجب رأيي، أنا أقول فإن لم يعجبك فردّ ولا تمنعني. وطبعا هذا فيه من الخلل والخطل ما لا يخطر لك على بال، هذا فيه تضييع الدين كله، وتضييع مكارم الأخلاق، لأن كل إنسان يتكلم بما يريد. كيف يتكلم بما يريد؟!! لا يجوز لأحد أن يتكلم إلا بحقّ، أن يتكلم كلاما صوابا.
حين نرجع إلى السلف الأوائل ونضرب المثل بهم، بعض الناس يمتعض ويشمئز، حتى قال قائلهم يوما- وقد ذكر بعض الصحابة- قال: هؤلاء أقوام يبولون على أعقابهم. فهل رأيت أناسا ينظرون إلى أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم بمثل هذه النظرة؟!!.. إلى أمثال هؤلاء أقول وأضرب المثل الآتي، حين أضرب المثل بالصحابة إنما أضربه على سبيل الاستئناس، وإلا فالحجة عندي قائمة بسير السلف الصالحين، وما عندهم من الهمة العالية، حتى - لولا أن الإسناد صحيح- لكدت لا أصدق، لكن صحّ الإسناد إليهم، وسنذكر نماذج من هؤلاء الصحابة والتابعين والعلماء.
لكن هناك صنف من الناس، حين تضرب له المثل بالكافرين يخضع، ومن الممكن أن يقتنع. وأنا عندما أضرب المثل أقصد به هؤلاء. ما الذي ضيّع الدنيا؟ ما ضيّع أي ملة أو مذهب؟.. "ترك الانتماء"، الانتماء أساسه الحب، صدق الانتماء هو طوق النجاة، حتى نحرج من هذه العثرة التي نعيشها الآن. تناقلت المجلات العلمية هذا الخبرظن لكن قبل ذكر الخبر، ذكر الكاتب الذي ترجم هذه المقالة الكلام الآتي: قال: أرسلت اليابان بعثات إلى أوروبا، وأرسلت العرب بعثات أخرى في نفس الوقت، فتقدمت اليابان والعرب لا يزالون يركبون ظهر السلحفاة، فما هو السر؟ سرد الحكاية الآتية التي أدلل بها على أن صدق الانتماء هو طوق النجاة: ذكر أن طالبا اسمه ساهير خرج من اليابان إلى ألمانيا ليدرس علم المحركات، يقول ساهير: لو استمعت إلى نصائح أساتذتي الألمان لما خرجت بشيء. كان قد ذهب ليحصل على الدكتوراه في المحركات. يقول أنه أول ما ذهب إلى الجامعة أعطوه كتبا نظرية وما أدخلوه معملا من المعامل. يقول: إن أي وحدة صناعية لها وحدة أساسية "الموديل"، هذا المحرك كيف يعمل؟ لا أدري، ما وحدته الأساسية؟ لا أدري. طبعا طالب مثله يحضر الدكتوراه وعلى نفقة الدولة فله راتب، قبض راتبه في هذا الشهر، ذهب إلى معرض محركات إيطالي واشترى محركا بقوة حصانين استوعب راتبه كله، اشترى المحرك وكان ثقيلا جدا، أخذه إلى السكن، قال: وضعته أمامي على المنضدة وأنا أنظر إليه كأنه تاج من الجوهر وأقول لو استطعت أن أفك لغز هذا المحرك لغزونا أوروبا.
كان الذي يعنيه منذ خرج محنة اليابان، بعد أن حدثت الحرب العالمية وبعد انكسار الامبراطورية اليابانية، وتوقيع معاهدة الاستسلام أمام الحلفاء، وكان منظراً لا ينساه أبداً أهل اليابان، هذا الانكسار وتوقيع وثيقة الاستسلام وحرمان اليابان من الصناعات العسكرية وإطلاق يدها في الصناعات السلمية. هذا الشاب كان يتجرع آنذاك مرارة الهزيمة، كل الذي كان يعنيه هو مجد اليابان، ما قصد دكتوراه ولا قصد أن يصير شيئا في البلد.
وكان لهم أستاذ في البعثة. جاء [الشاب] بالمحرك، ووضعه على المنضدة، وأخذ يفكر، كيف أفك هذا المحرك؟ وكيف أفهمه؟ أنزل خرائط المحركات، درسها دراسة جيدة، بدأ يفك الإطار الخارجي (جسم المحرك من الخارج) وبدأ يرسم كل قطعة يفكها من المحرك ويعطيها رقما، حتى يتمكن من تركيبه ثانيةً. فك المحرك كله، ثم ركّبه كله، وشغله فاشتغل. قال: كاد قلبي أن يتوقف من الفرح. استغرقت منه هذه المسألة ثلاثة أيام. ذهب إلى أستاذه في البعثة، وقال له فعلت كذا وكذا، قال له: حسناً، هنا محرك متعطل، إذا كنت فعلا قد اجتهدت وفهمت، انظر ما الذي عطل هذا المحرك. أخذ المحرك وفكّه، فوجد أن فيه تروسا متآكلة، بدأ يعمل يدويا بالمطرقة والمبرد لعمل التروس، ثم ركبّها وشغله فاشتغل، وأخذت منه هذه القصة عشرة أيام، نسي أن لديه دكتواره، المجد الشخصي نسيه؛ لأن عنده همّ كبير اسمه "اليابان"، اليابان المهزومة. أستاذه الذي كان بمثابة الأب الروحي له قال: يجب أن تلتحق بمصانع صهر النحاس والحديد والألمونيوم. التحق بهذه المصانع، وكان يخدم العمال، لأنه يريد أن يأخذ منهم علما، يقول: مع أنني من عائلة ساموراي-عائلة كبيرة في اليابان- لكن طالما المسألة تتعلق بمجد اليابان فسأنزل تحت النعال. هل تعلمون كم سنة ظل في هذا المصنع؟ ثمان سنوات مشتغلا في صهر الحديد والنحاس والألمونيوم.
الميكادو- رئيس اليابان أو رئيس الطائفة- سمع بجد هذا الطالب فبعث له خمسة آلاف جنيه استرليني، هل تعرف ماذا صنع بها؟ كان يحلم أن ينشيء مصنعا للمحركات على أرض اليابان، لم يأخذ الخمسة آلاف جنيه ويشتري بها لنفسه شيئا، لأن لديه هما كبيرا، هذا الهم أنساه همّه الخاص، اشترى معدات مصنع بالخمسة آلاف جنيه استرليني، لكن بقيت لديه مشكلة، أجرة الشحن من أين يأتي بها؟ انتظر حتى بداية الشهر فقبض راتبه وبعض المدخرات عنده ودفع أجرة شحن هذا المصنع. حين نزل إلى أرض اليابان، أرسل إليه الميكادو قائلا: أريد ان أراك. قال له: أنا لا أستحق أن تراني حتى أنشيء مصنعا على أرض اليابان. هل تعرف متى لقي الميكادو؟ بعد تسع سنوات كاملة يعمل في دأب وصمت مع مجموعة معه، وبعد السنوات التسع أخذ عشرة محركات وذهب إلى الميكادو في قصره، شغل له المحركات، فجاء هديرها عالياً، وعندما سمعها الميكادو انحنى تحيةً، وقال: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي، صوت مرحك ياباني خالص، الآن غزونا أوروبا.
أنا أضرب المثل لأمثال هؤلاء، رجل مجده الشخصي ذاب في مجد الأمة. فهذا واحد ولا يساوي قُلامة ظفر عندنا، لكن لما يضرب المثل للأسد بالكلب يحمرّ أنف الأسد من الغيظ:
ولا تَرِدُ الأسودُ حِياضَ ماءٍ .. .:. .:. .. إذا كان الكلابُ يَلُغْنَ فيهِ
عندنا نماذج مبهرة، لكن المشكلة أن أكثر الأمة لا تعرف هذه النماذج، بسبب العقوق الذي فشى في اجيال المتأخرين للسلف الفاضلين. من هذا الخيط ألتقط الكلام وأدلف إلى ترجمة الإمام البخاري رحمه الله، صاحب الكتاب- الذي أجمع أهل العلم الفاقهين الفاهمين الذين يعرفون ما يقولون- أنه ليس هناك كتاب بعد كتاب الله عز وجل أصحّ ولا أمتن ولا أجود من كتاب الإمام البخاري رحمه الله. وأنا أرجو ألا يتصور من يسمعني أن الدرس علمي لطلبة العلم فقط، لا، هذا الدرس للجميع، وسأحاول إن شاء الله أن أيسّر طرح المادة. لكن أنا أحتاج منك إذا سمعتني ألا تلتفت إلى غيري، أعطني قلبك، أعطني أذنك، ركّز معي، سوف تستفيد إن شاء الله تعالى.
الإمام البخاري اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه، وبردزبه كهكذا ضبطها الأمير أبو نصر بن ماكولا- رحمة الله عليه- وبردزبه هذه في لغة بُخارى، أو اللغة البخارية، تساوي الزّرّاع في اللغة العربية. ولد الإمام البخاري رحمة الله عليه في شوال سنة 194هـ، ووقع له شيء في مطلع حياته وهو صبي صغير، ذلك أنه فقد بصره، وطبعا كل ما سأذكره عن الإمام البخاري صحيح، الكلام الذي سأذكره إسناده صحيح، لأن الإمام الذهبي- رحمة الله عليه- نقل جلّ ترجمة البخاري من كتاب: "شمائل البخاري" لأبي جعفر محمد بن حاتم الوراق الذي كان يكتب للإمام البخاري رحمه الله، فالإمام الذهبي يقول: كل ما أنقله أو جلّ ما أنقله عن البخاري فهو من هذا الكتاب، وغُنجار له كتاب اسمه "تاريخ بخارى" أيضا ذكر فيه شيئا من ترجمة الإمام البخاري رحمة الله تعالى عليه.
وقع للبخاري وهو في بداية حياته صغيرا حدث أنه فقد عينيه، فبكته أمه طويلا، فنامت في ذات يوم بعدما غلبها البكاء على صبيّها، فرأت إبراهيم الخليل عليه السلام في المنام، فقال لها: يا هذه إن الله عز وجل ردّ بصر ولدك إليه من كثرة بكائك، أو قال من كثرة دعائك. (شكّ أحد رواة هذا الخبر وأظنه البلخي كما ذكر الذهبي رحمه الله)، فاستيقظت الأم وإذا ابنها الإمام محمد بن إسماعيل قد ردّ الله تعالى عليه بصره. أمّه هي التي ربّته، وأنا أريد أن أقف قليلا على هذه الجزئية. لماذا ضاع شبابنا؟ ضاع شبابنا باختصار لأن الأمهات تركن أجل مهنة، والتي لا يستطيعها رجال الأرض جميعا حتى لو أرادوا، تركن مهمة تربية النشء، وأصغتْ المرأة المسلمة إلى أعدائها الذين أوهموها أنها صارتْ كالبهيمة، تحمل وتلد وترضع. قالوا لها: لا، أنتِ نصف الكجتمع، نريدك في كل مكان، نريدك قاضية وعمدة ونريدك في كل المجالات. فخرجتْْ المرأة وتركتْ الثغر خالياً، وزاحمتْ الرجال فيما لا تحسنه كثيرا مع الرجال. وهذا الثغر الذي تركته المرأة خالياً، لا يستطيع رجال الأرض أن يملؤوه. فدخل أعداؤنا من الثغر الخالي، كما زحف خالد بن الوليد- في يوم أحد- على المسلمين لما ترك الرماة الجبل، وكانوا حامية المسلمين وظهورهم، وخالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: "لا تبرحوا مكانكم ولو رأيت الطير تتخطف العسكر". لكنهم لما رأوا فرار المشركين نزلوا ليحرزوا الغنائم وتركوا الجبل خاليا فدار خالد بن الوليد دورته ودخل من الثغر الخالي فكانت المحنة التي يعرفها أكثركم إن شاء الله تعالى.
أوهموها أنها تلد تحمل وترضع فتساوي البهيمة، فاغترّتْ وخرجتْ، النساء العاملات، تخرج من البيت وتأخذ الولد تغدو به إلى الحضانة وتذهب إلى العمل، الحضانة هذه "جراش" لا أكثر من ذلك، الولد "يجرش" فيه حتى تخرج الأم من العمل وتأخذه، لأنها ليست متفرغة، عهدتْ بتربية الولد إلى غيرها، ولا يُربّي أبداً مثل الأم. ضمّةُ الأم ولدَها إلى صدرها يمدّ جسور الود والرأفة والرحمة بين الولد وبين الأم. هناك أمّهات أخرجن لنا أئمة كبارا، أم الإمام سفيان الثوري- سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله- إمام الحديث والفقه والزهد، ماذا كانت تقول له أمه وهو خارج من الدار؟ تقول له: يا بُني! إذا كتبتَ عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة؟ فإن وجدتَ وإلا فلا تتعنَّ. انظر إلى الأمهات!.. كلام كسبيكة ذهب، جوهر. حين تكتب الحديث، انظر هل أخذتَ شيئا من الحديث إلى واقعك وإلى حياتك أم أنك تكتب فقط؟ هل ترجمتَ ما كتبتَ إلى واقع وتديّنتَ به وتعبّدتَ أم تكتب لمجرد الكتابة؟ إذا كنت فعلا تستفيد مما تكتب وتتدين بما تكتب فأكمل، وإلا فأرحْ نفسك لا تتعنَّ، كل ما تفعله أنك تُقيم حُجج الله عليك، عارف ولا تعمل. قالت لسفيان: يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيكَ بمغزلي. هناك آباء لديهم أموال وابنه يطلب العلم، لا يريد أن ينفق عليه ولا يريد أن يزوّجه مثلا. هذه امرأة تقول له أنا أكفيك بمغزلي، أشتغل بالغزْل وأبيعه وأنفق عليك، أنت فقط قف في هذه الوجهة، فكان سفيان رحمة الله عليه.
نساء عرفن لماذا خُلقن، الدنيا خطوة رجل منكم، قفزة واحدة وتكون في الآخرة، مدة حياتك، ما تقول لربك إذا لقيته؟ تقول ضيّعتُ نسلي؟ يلقى المرءُ ربَّه خائناً؟ لم يعلم ولده ميثاق العبودية الذي أخذه الله على الناس ألا تفعل ما نهاك، وأن تقف على حدود ما أمرك. من يعلم هذا الكلام؟ الأم الواعية، لدينا نماذج من النساء، نماذج مشرّفة، حفصة بنت سيرين أم الهذيل، ظلّتْ ثلاثين سنة لا تخرج من بيتها إلا لضرورة، أي حاجة، لكن تمكث في بيتها، المكث في البيت يصفي القلب، ولا يجعل المرء يتلبس بشرور المجتمع الخارجي، المرأة التي تجلس في بيتها (ملكة متوّجة) لأنها لم تلابس الشر الذي في الخارج، فهذا يعينها على سلامة قلبها، وتسديد رميتها وقصدها.
أذكر الآن في "كتاب الثقات" للعجلي رحمه الله في ترجمة الحسن بن صالح بن حيّ، كان عنده جارية، ثم باعها. طبعا الحسن بن صالح وعلي بن صالح أخوان، وأمهما والجارية، بيت علم وعبادة، كان الحسن وعلي وأمهما قد قسّموا الليل ثلاثة أقسام، يقوم الحسن الثلث الأول، وعلي يقوم الثلث الثاني، وأمهما تقوم الثلث الأخير، فلما ماتت الأم، اقتسم الحسن وعلي الليل، كل منهما يقوم نصفه، فلما مات علي، قام الحسن بالليل كله. طبعا الجارية في بيت فاضل مثل هذا، تعودت أن تقوم الليل. المهم أن الحسن باع الجارية، فاشتراها أهل بيت، فالجارية- كالعادة- تستيقظ الساعة الواحدة ليلا لتصلي، فاستيقظت وأخذت تنادي على أهل الدار: يا أهل الدار! الصلاةَ الصلاة. قالوا لها: أوَ أذّنَ للفجر؟.. فقالت لهم: ولا تقومون الليل!.. قالوا نعم. الصبح رجعتْ إلى الحسن، قالت: ردّني إليك، فإنك بعتني إلى قوم سوء لا يقومون الليل. فردّها الحسن بن صالح.
بنت سعيد بن المسيب، لما تزوجها أبو وداعة، وهم خارجا ثانيَ يومٍ، قالت: إلى أين؟ قال لها: ذاهب إلى مجلس سعيد. قالت له: اجلس اعلّمك علم سعيد.
بنت الإمام مالك، كان يُقرأ الموطأ على الإمام، مالك ما كان يقرأ على أحد، فمن يريد يقرأ بنفسه أو يأتي بأحد يقرأ له، كانت بنت مالك تجلس خلف الباب، فإذا أخطأ القارئ طرقته عليه، فإن طرقتْ فمعناه أنه غلط، فيقول له مالك: ارجع فإنك أخطأت. قولا واحدا.
نساء!.. حينما تكون المرأة مهتمة بالعلم الشرعي وتحبه، إما قراءة أو سماعا، هذا يورّثها محبة لدينها وانتماء إليه، فلما تعرف أن هذه الأمة لن تنتصر إلا بسلامة نشئها وتعرف لماذا خُلقتْ تبدأ [طريق] النجاة. عندنا ابن عساكر رحمه الله كان له ثمانون شيخة- من ضمن شيوخه-أخذ العلم عنها. أمّ الإمام البخاري ربّتْ الإمام، والورع عند الإمام والزهد وسماحة النفس والخلق فضلا عن العلم كله بسبب تربية هذه الأم الفاضلة، لأن والد الإمام البخاري لما مات- هذا أيضا بركة الأكل الحلال- دعا ابنه الإمام محمد بن إسماعيل قال له: يا بني، تركتُ لك ألفَ ألفِ درهم (مليون درهم) ما أعلم درهماً فيه شُبهة. كيف؟ هل كان والد الإمام البخاري أحد العلماء؟ لا، لكنه كان بصحبة أهل العلم، يحبهم، يمشي معهم، يحضر مجالسهم، كان يحضر مجالس مالك وحماد بن زيد ورأى ابن المبارك وصافحه بكلتا يديه كما قال الإمام البخاري وسنأتي عنه هذه المسألة وسنقف عندها بعض الوقت.
الإمام البخاري- رحمة الله عليه- كعادة الصبية بدأ بحفظ القرآن، أتمّه وهو ابن سبع سنوات، وليس من الحكمة في تعليم الصغار أن نحفظهم شيئا مع القرآن، لا، فليمضِ القرآن أولا، يحفظ القرآن ولا يشتغل لا بحديث ولا بحفظ أي شيء آخر من المتون حتى يتمّ حفظ القرآن أولا.
وهو ابن عشر سنين أو إحدى عشرة سنة حدث له موقف في بلده، كان في بُخارى شيخ كبير الحجم، اسمه الداخلي، فكان الداخلي قاعدا يحدّث، فحدّث عن أبي الزبير عن إبراهيم النخعي، فاعترض البخاري وقال له: إن أبا الزبير لم يحدّث عن إبراهيم. قال له: اسكت يا غلام! (ابن عشر سنين إحدى عشرة سنة) [قال:] اسكت! قال له البخاري: انظر في أصلك. (الأصل هو الكتاب لأن الداخلي كان يحدّث من حفظه) فدخل الداخلي فأخذ الكتاب فوجد أن الأمر كما قال هذا الغلام. قال: كيف قلت يا غلام؟ قال: إنما هو فلان عن فلان. [قال:] أصبت يا غلام!.. وأصلحَ الأصل الذي عنده، قال له محمد ابن أبي حاتم الوراق: ابن كم لما رددتَ على الداخلي؟ قال: كنت ابن إحدى عشرة سنة. أنت تعرف أنه في ذلك الزمان كانت الأسانيد أنساب الكلام، لم يكن أحد يتكلم إلا بإسناد، وكانت تلك هي "موضة" العصر في ذلك الزمان، كل الكلام بإسناد.
طبعا الإمام البخاري- رحمة الله عليه- تجازو شيوخه ألف شيخ، كتب عن كل شيخ أكثر من عشرة آلاف حديث، إذن ما عند البخاري كم حديث؟ أكثر من مليون حديث. بعض الناس سيقول لك كيف؟ هي الأحاديث كم أصلا؟ أقول: كل كلام سواء كان حديثا مرفوعا، أو كان من قول الصحابي، أو من قول التابعين أو تابعيهم، أو كان في السيرة، هذا اسمه حديث، لا يلزم أن تكون أحاديثَ منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (مرفوعة) ، بل كل كلام يروى بسند كان يسمى حديثاً. فالأحاديث هناك ما هو حديث مرفوع، وحديث موقوف وحديث مقطوع. كل ما يقال فيه (مرفوع) فيعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الموقوف إلى الصحابة رضي الله عنهم، المقطوع إلى التابعين. أنت نفسك اليوم- لو عندك حافظة- وتنقل أخبار الناس، وكل واحد قال كلمة تقولها بسند من المؤكد سيكون عندك أكثر من مليون، فهذه مسألة عادية. لكن الغريب في المسألة أنهم كانوا يحفظون الأسانيد كما نحفظ نحن (قل هو الله أحد)، لا يختلط لهم إسناد في إسناد ولا كلام في كلام أبدا، هؤلاء طبعا الحَفَظَة، أمثال الإمام البخاري رحمة الله عليه، ابن إحدى عشرة سنة يرد على الداخلي، والداخلي هذا كان كبير الحجم- كما قلت- في بُخارى آنذاك.
حاولتُ أن آخذ نُتفاً من ترجمة الإمام البخاري من كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله، بحيث أنني رجوتُ أن أقرأ الفقرة أو اللام ثم أعلّق عليه تعليقاً يسيراً حتى نستطيع أن نصل إلى آخر ترجمة البخاري رحمه الله. يقول في ذكر ثناء الناس على البخاري، فنريد أن نبيّن من الذي امتدح البخاري، ستجد أن أكثر الذي امتدحوا البخاري هم شيوخه، لا أقرانه، ولا تلامذته، بل أكثر الذين امتدحوا البخاري رحمه الله هم شيوخ البخاري أنفسهم، وطبعا مدح الشيخ للتلميذ هذا شيء عظيم، لماذا؟ لأن الشيخ فوق، والتلميذ هو الذي يرجو الشيخ، ويرجو أن يعطف الشيخ عليه وليس العكس؛ بمعنى أنه لا وجود لمذلة ولا لحاجة لهذا الشيخ ليثني على تلميذه، لكن التلميذ في حاجة ماسة أن يثني عليه شيخه. يقول أبو عمر سُليم بن مجاهد: كنت عند محمد بن سلام البيكندي- ومحمد بن سلام هذا أحد شيوخ البخاري- اقل: لو جئتَ قبلُ لرأيتَ صبيًّا يحفظ سبعين الف حديث. قال- أي سليم بن مجاهد- قال: فخرجتُ في طلبه (في طلب هذا الغلام) حتى لحقته، فقلت له: أنت الذي يقول إنه يحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: "نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرّفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولستُ أروي حديثا من أحاديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم".
هذا عند أي رجل مارس العلم ودرس آلة العلم يعلم أنه أمر في غاية الصعوبة، لأنه ليس مجرد الحديث (السرد)، كلا، فإذا قال عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول لك من هو أبو هريرة وما اسمه وأخباره في الجاهلية وأخباره في الإسلام ومولده ووفاته، يعطيك ترجمة كاملة عن صحابي الحديث أو عن أي راوٍ من الذين رووا هذا الحديث من الصحابة. ولامتن الذي رواه يقدر أن يأتيك بشواهد لهذا المتن من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وطبعا لا يستقل بهذا إلا رجل أوتي من الفهم أعلاه.
يقول محمد بن يوسف: كنت عن ابن أبي رجاء- وابن أبي رجاء البغلاني هو قتيبة بن سعيد وهو أحد شيوخ البخاري وأحد شيوخ الإمام أحمد بن حنبل أيضا- فسُئل عن طلاق السكران، فلما سئل قتيبة عن طلاق السكران نظر فإذا هو يبصر الإمام البخاري رحمه الله، فقال لسائله: هذا أحمد بن حنبل وابن المديني وابن راهويه قد ساقهم الله إليك. وأشار إلى محمد بن إسماعيل البخاري. وكان مذهب الإمام البخاري أن المرء إذا غُلب على عقله حتى لا يذكر ما يحدث به، أنه لا يجوز من أمره شيء؛ وهذا هو المذهب الصحيح الراجح أن المسائل بالنية وما انعقد عليه القلب وليس بمجرد اللفظ، وطبعا أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه كلاهما من العلماء المجتهدين الذين يطلق عليهم العلماء اسم "المجتهد المطلق"، فمذهب أحمد بن حنبل موجود ومشهور، لكن مذهب إسحق بن راهويه اندثر، وطبعا الأئمة ليسوا محصورين في أربعة، وليستْ مذاهب الأئمة في الفقه محصورةً في أربعة فقط، بل هي كثيرة، لكن أصحاب المذاهب الأربعة قاموا بمذاهبهم ونقحوها وقعّدوا القواعد لها، وأتوا بالأدلة على الجزئيات التي قال الأئمة فيها أحكاماً شرعية ..الخ. لكن إسحق بن راهويه نسفه كان يجري في مضمار أحمد في الفقه، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: "لم يعبر إلينا الجسر أحد من خراسان- يعني إلى بغداد- مثل إسحق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فلا زال النظراء يختلفون". يا سلام على الأدب!.. نعم مختلف معك، لا مانع، إذا كانت المسألة مسألة فرعية يسوغ فيها الاختلاف فما لامانع، هذا الفهم نعمة من الله، من الممكن للرجل الكبير الجليل أن يضلّ عن مسألة يعرفها بعض تلاميذه. وفي ترجمة الإمام البخاري قصة حدثتْ مع إسحق بن راهويه- الذي نتكلم عنه الآن- إسحق بن إبراهيم رحمه الله تعالى، جاءه رجل فاستفتاه عن طلاق السكران، فاحتار إسحق ولم يعرف كيف يأتي بالدليل، فكان البخاري جالساً فقال له: لا يقع طلاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تجاوز لأمتي ما وسوست به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم"، فهذا تكلم بمعزل عن القلب، أي هو غير مريد لما يقول. كما لو قلنا أن رجلا تشاجر مع امرأته أراد أن يقول لها: اخرجي حالا، اغربي عن وجهي، فقال لها: أنتِ طالق. خرجتْ هكذا من لسانه، ما قصدها، ولا كان يريد أن يقولها أصلا، لكن من شدة غضبه قال هذه الكلمة وقلبه بمعزل كامل عن هذا المعنى، هنا لا يقع طلاق. الإمام البخاري- لما قال هذا الكلام- سُرَّ إسحق، وإسحق هذا مجتهد مطلق، ومع ذلك فقد يعزل عنه شيء يدركه بعض تلاميذه. فالمسألة مسألة مواهب واستحضار، والأدلة الجزئية في العلم لا تتناهى، كثيرة جدا، فالأمر كما قال الشافعي رحمه الله: "ما منا من أحد إلا وتعزب عنه سنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، وتعزب عنه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي تغيب عنه. فقتيبة بن سعيد- شيخ البخاري- لما سئل عن مسألة قال للسائل: أبصر!.. جاءك أحمد بن حنبل، إسحق بن راهويه، علي بن المديني. يقول قائل: حسنا! أحمد وإسحق فقهاء من أهل الحديث، وعلي بن المديني هذا، هل كان فقيهاً؟ لا، لكنه من أجل شيوخ البخاري في الحديث، اسمع ما يقول البخاري: " ما استصغرتُ نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني". إذن ما الذي حشر علي بن المديني هنا؟ يريد أن يقول له: هذا هو الحديث تصحيحا وتضعيفا، وهذا هو الفقه؛ فإنه لا يجوز لأحد أن يحتج على حكم شرعي بحديث ضعيف، لابد أن يكون الحديث صحيحا. وبعض الناس خرج يقول: إن بدعة صحيح وضعيف هذه الذي ابتدعها الشيخ الألباني- رحمه الله- والأئمة قبل ذلك كانوا يحتجون بالأحاديث الضعيفة. فيقولون: سنن أبي داود فيها ضعيف، النسائي، الترمذي، ابن ماجة فيها ضعيف، يقول لك "باب كذا" ويضع تحته حديثا ضعيفا، فقصة صحيح وضعيف هذه مسألة [محدثة]، فأريد أن أقول ردا على هذا الكلام: يكفي في رد هذا أن الشافعي- رحمه الله- في خمسين مسألة قال: "لو صحّ الحديث لقلت به". حتى أن الحافظ ابن حجر العسقلاني جمع في كتابٍ- لم أرَ الكتاب ولا أعلم بوجوده في أي خزانة من خزانات العالم فيحسب اطلاعي القاصر- لكن الحافظ ابن حجر ذكر اسم الكتاب في فتح الباري شرح صحيح البخاري، واسمه: "المنحة فيما علّق الشافعي الحكم به على الصحة". هذا الشافعي لا كما كان المتكلم يقول إن القدامى لا أحد منهم يقول صحيح وضعيف وأي شيء يأتيه يأخذه، فهذا كذب صريح على الأئمة، ويكفي- كما قلت- كلام الشافعي، فأمامه حديث- كما ترى- قال: لو صحّ لقلتُ به. هذا ما معناه؟ أنه لم يصحّ الحديث عنده فلم يقل به. فحين قال [قتيبة بن سعيد]: علي بن المديني قصد الحديث صحيحا وضعيفا؛ لأن علي بن المديني طبيب العلل في علم الحديث، والبخاري لقي كما ذكرتُ لكم أكثر من ألف شيخ، أجلاّء، فضلاء، كبار، ومع ذلك يقول: ما استصغرتُ نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني.
ويقول عبد الله بن سعيد بن جعفر: لما مات أحمد بن حرب النيسابوري ركب محمد وإسحق يشيّعان جنازته- محمد هو البخاري وإسحق بن راهويه شيخ البخاري- فكنتُ اسمع أهل المعرفة بنيسابور ينظرون ويقولون: محمد أفقه من إسحق. (محمد بن إسماعيل أفقه من شيخه إسحق بن راهويه)، وطبعا إسحق بن راهويه في الحديث كالمسمار في الساج، قمة من القمم، حفظاً وجلالةً وإتقاناً، فضلا عن فقهه الذي اشتهر به. يقول عمر بن حفص الأشقر: سمعت عبدان. عبدان هذا لقب لشيخ البخاري، أحد شيوخ البخاري اسمه عبد الله بن عثمان بن جبل هو محدث وأبوه محدث، لقبه عبدان، له كنيتان، كل كنية عبد، أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن، كانت له كنيتان، فقيل عبدان. يقول عبدان: ما رأيت بعيني شابًّا أبصر من هذا. وأشار إلى محمد بن إسماعيل البخاري.
وقال نُعيم بن حماد- وهو أيضا أحد شيوخ البخاري وهو الذي روى البخاري عنه حديث القرد الذي كنا نتكلم عنه قبل قليل، هذا حدث به البخاري عن شيخه نُعيم بن حماد. ونعيم بن حماد فيه كلام من جهة حفظه، ولكنه مُتابع عند أبي بكر الإسماعيلي- قال نعيم بن حماد: محمد بن إسماعيل فقه هذه الأمة. وقال محمد بن يوسف للبخاري: يا أبا عبد الله! انظر في كتبي. [وهو] محمد بن يوسف التنـّيسي الذي يروي عن الليث بن سعد وعن مالك بن أنس، وهو أيضا أحد شيوخ البخاري، قال: يا أبا عبد الله! انظر في كتبي، وأخبرني بما فيه من السقط. قال: نعم. فجعل البخاريَّ مراجعاً لكتبه، وما ذاك إلا لجلالة البخاري عنده، وإلا لا يسمح أي شيخ للتلميذ أن يفعل بكتبه ما شاء؛ لأن قصة الكتاب هذه قصة كبيرة، أي أحد يقترب من الكتاب فهي مشكلة كبيرة جدا لعلنا إن شاء الله في أثناء تضاعيف كلامنا عن الرواة والأحاديث نأتي بأشياء كهذه إن شاء الله.
ويقول محمد بن ابي حاتم الوراق: "اجتمع أصحاب الحديث، فسألوني أن أكلم إسماعيل بن أبي أويس". إسماعيل هذا أحد شيوخ البخاري وابن اخت الإمام مالك بن انس، وإسماعيل كان عسرا في التحديث، فحتى تخرج منه المعلومة يُذلّك، جماعة من أصحاب الحديث يريدون واسطة لإسماعيل بن أبي أويس، فكلّموا الإمام البخاري ليزيدهم قليلا في الحديث، قال: ففعلتُ. (هذا البخاري يقول لما طلبوا مني ذاك فعلتُ) فدعا إسماعيل الجارية وأمرها أن تخرج صرّة دنانير وقال: يا أبا عبد اللهّ فرّقها عليهم. أيضا!.. أزيدهم في الحديث وأعطيهم دنانير أيضا!.. فقلت له (هذا البخاري يقول لشيخه) : "إنما أرادوا الحديث". أي لا يريدون مالاً. قال: "قد أجبتك إلى طلبك بالزيادة (يعني زيادة الحديث) غير أني احب أن يُضمَّ هذا إلى ذاك ليظهر أثرك فيهم". فانظر كيف يرفع الإمام البخاري أي حتى يظهر أثرك فيهم ويعلمون حظوتك عندي.
يقول أحمد بن عبد السلام: ذكرنا قول البخاري لعلي بن المديني "ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي" فنقلوا هاتين الكلمتين إلى علي بن المديني. فقال علي بن المديني- وهذا شيخ البخاري، كل هذا وما زلنا في شيوخ البخاري- قال: "دعوا هذا- أي اتركوا كلامه- فإن محمدا ما رأى مثل نفسه". هذا كلام عال جدا. يقول محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت أبا عبد الله يقول- أي البخاري- "ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاّس بحديث، (وعمرو بن علي هذا أيضا من شيوخ البخاري فضلا عن أنه كان ناقداً، فلم يكن راوياً فقط، بل كان من نقاد الحديث وهو من العلماء المتكلمين في الرواة، أي مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والدارقطني وهؤلاء، أي يقول له: فلان ثقة، فلان كذاب، فلان سيء الحفظ، فلان مختلط..الخ، فهو رجل فضلا عن أنه راويا إلا أنه كان مميزا أيضا) فقعد البخاري مع أصخاب عمرو بن علي الفلاس الذين هم من طبقة البخاري، وحدّثوا بحديث، فقال البخاري: لا أعرفه. أي لا أعرف هذا الحديث، فسرّوا بذلك، أي قالوا: جميل! أول مرة نأخذ على البخاري شيئا، حديث لا يعرفه. فذهبوا إلى عمرو بن علي الفلاس يبشرونه، فقال: تصوّر أن الحديث الفلاني اليخاري لا يعرفه!.. قال لهم: "كل حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل فليس بحديث" أريحوا أنفسكم، أي لا تظنوا أنكم اصطدتم أمرا كبيرا جدا، فحين يقول لك البخاري لا أعرف هذا الحديث فاعلم أنه غير موجود، وهذا طبعا فيه شهادة بالحفظ الكامل من مثل عمرو بن علي الفلاس للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى.
نقل محمد بن حاتم الوراق أيضا عن علي بن حُجر، وعلي بن حجر هذا من شيوخ البخاري أيضا، قال: "اخرجتْ خراسان ثلاثة- أي النخبة الذين لا أحد مثلهم- أبو زرعة الرازي ومحمد بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الدارمي، ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم". وطبعا محمد الدارمي أحد شيوخ البخاري أيضا وهو صاحب السنن المشهورة والمعروفة بسنن الدارمي. قال: "وأوردتُ على علي بن حُجر كتاب أبي عبد الله، فلما قرأه قال: كيف خلّفتَ ذلك الكبش؟". أتعرف من الذي كان يلقب البخاري بالكبش أيضا؟ يحيى بن صاعد، ويحيى بن صاعد هذا كان أيضا إماما كبيرا في الحديث، لمّا كان يذكر البخاري ما كان يسميه إلا "الكبش النطاح"، لماذا؟ لأنه إذا نطح أحدا أسقطه أرضا، اي لا يثبت له أحد في المناظرة ولا في المذاكرة. فانظر إلى علي بن حجر كيف لقّبه بالكبش ويحيى بن صاعد أيضا لقبه بذلك.
يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي- أحمد بن حنبل- يقول: "ما أخرجتْ خراسان مثل محمد بن إسماعيل". وطبعا أحمد بن حنبل شيخ البخاري، وبُندار محمد بن بشار، وبندار لقب له، ومعنى بُنْدار أي الميزان، لماذا؟ لأن محمد بن بشار أخذ علم علماء بلده قبل أن يأخذ علم الناس في الخارج فلقّبوه بندارا. فهذا اسمه (لقب) حين تجد في أي حديث سندا قال حدثنا بندار أو عن بندار فهو محمد بن بشار، كغُنْدر مثلا، وغُندر هذا لقب لراوٍ ثقةٍ كبير اسمه محمد بن جعفر، لقبه بغندر ابن جريج (عبد الملك بن عبد العزيز) ابن جريج من طبقة الإمام مالك- رحمة الله على الجميع- فكان محمد بن جعفر يتكلم كل حين فكان يقول له: اسكت يا غندر! وغندر بلغة أهل الحجاز أي المشاغب، فانطلى عليه لقب "غندر"، وهذه ألقاب، وعلماء الحديث لهم كتب في الألقاب كابن مندة وغيره، فكل لقب من ألقاب المحدثين يأتيك باللقب ويقول لك من هذا، وأحيانا قد يترجم له ترجمة خفيفة.
الحقيقة أن ثناء شيوخ البخاري عليه كثير جدا، وأنا حين أقرأ لا أذكر كل شيء، وأترك أشياء كثيرة، إنما أنتقي بعض ما ذكره الإمام الذهبي من ثناء شيوخ البخاري رحمة الله تعالى عليهم. والكلام له تتمة، وكما قلت لكم في بداية الحلقة، ربما تأخذ منا ترجمة البخاري رحمة الله عليه الحلقة القادمة أيضا، حتى نقف على النِّكات التربوية في حياة البخاري رحمة الله تعالى عليه. ولا أريد أن أكلف إخواني شططا، الذين ينتظرون على الهاتف منذ مدة، وسأفسح إن شاء الله المجال لبعض أسئلتهم، وسنكمل إن شاء الله في المرة القادمة بإذنه تعالى، لأن الكلام معنا طويل ولا أريدكم أن تملوا ولا تستعجلوا، نريد أن نرتب لذلك لتستطعموا العلم، ونمشي بشكل صحيح، فنحن نسمع منذ زمن طويل لكلام متناثر. الآن نريد أن نطلب العلم بشكل صحيح، وفي نفس الوقت أريد أن أقول إن بعض الناس سألوا عن العنوان الذي صنعته للحلقة الذي هو "فكّ الوثاق بشرح كتاب الرقاق"، فظنّوه كتاباً لي موجودا في الأسواق، لا، هذا اسم الشرح الذي سأضعه على كتاب الرقاق من صحيح البخاري.
أي نسخة من نسخ صحيح البخاري كافية، فمن يريد أن يتابع معي، وسيرى خيراً كثيرا في هذه المتابعة، يأتي بصحيح البخاري كاملا، إما المتن فقط، وهو الأحاديث المجردة من الشرح، أو المتن والشرح، وأفضل كتاب في شرح البخاري هو "فتح الباري شرح صحيح البخاري" للإمام (المصري) - وهذه ليست عصبية، أرجو ألا يتصور أحد أنها عصبية- للإمام المصري أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمة الله عليه، أنفق الحافظ بن حجر خمساً وعشرين سنة من حياته في شرح هذا الكتاب، ربع قرن والحافظ بن حجر العسقلاني يشرح هذا الكتاب، ولذلك نَفَس الحافظ في أول حديث مثله في آخر حديث، وأتى فيه بالعجب العاجب، حتى قيل للشوكاني رحمه الله: ألا تشرح صحيح البخاري!.. فقال: لا هجرة بعد الفتح. أي بعد فتح الباري، طبعا حين أطلق الحديث فهم المستمع ماذا أراد [حين] قال: لا هجرة بعد الفتح. فهذا الشرح نفيس، فبدلا من أن تأتي بصحيح البخاري هكذا ساذجا، أعني خاليا من الشرح، فتكون قد ضربتَ عصفورين بحجر [حين] تأتي بفتح الباري شرح صحيح البخاري، فيكون عندك المتن، وعندك شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله. وأسأل الله تعالى أن يسدد رميتي، وأن يعينني على تيسير هذا الكتاب الجليل وبيان فضله، وأن علماء المسلمين لمّا زكّوه، زكوه بحق لأنه يستحق هذا وزيادة.
الاتصالات في الحلقة:
س1/ امرأة أقسم زوجها أن يتزوج بأخرى عليها، ويريد أن يكفّر.
ج/ المرأة تسأل عن الكفارة، نعم يوجد كفارة، قال صلى الله عليه وصلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأتِ التي هي خير". فكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. والإطعام طبعا من أوسط ما تطعمون أهليكم.
س2/ لنفس المرأة لديها تعب في المعدة يسبب لها التقيؤ مع الصيام.
ج/ بالنسبة لهذه المرأة أسأل الله عز وجل أن يرفع عنها وأن يشفيها، فيحدث لها قيء رغما عنها، وتسأل عن حكم الصيام، طبعا لا شيء في ذلك لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فلا شيء عليه". وكذلك الصلاة طبعا، فالوضوء من القيء مستحب.
س3/ رجل قال لامرأته "أنت طالق" حين استفزته.
ج/ (طلب منه الشيخ أن يتحدث إليه بعد الحلقة ليستفسر منه أكثر)
س4/ رجل يلتزم بالصلاة فترة من الزمن ثم يتكاسل عنها ويريد أن يعرف سبيل الثبات على الهداية.
ج/ الرجل الذي يشتكي من مسألة الالتزام بالصلاة والطاعات ثم يكسل عن الصلاة، هذه المسألة طبعا غير متصورة، الصلاة هي الفارق بين الإسلام والكفر، فلا يوجد شيء اسمه "كسل عن الصلاة" أبدا. الصلاة لا تسقط إلا بالجنون، أو النوم. وطبعا النوم عذر مؤقت، حين يفيق يصلي. المجنون، إذغ كان جنونه متصلا فتسقط منه الصلاة، أما إذا كان جنونه يزول أحيانا ويفيق فيلزم أن يصلي. أنا فقط أريد ألا يعتقد السائل أن مسألة ترك الصلاة مسألة بسيطة أو هينة، لا، حتى لم لم تكن مستطعما للصلاة فقم صلِّ ولا تترك الصلاة.
ويستعان على الالتزام بأشياء، من أهمها الصُّحبة الصالحة الإيجابية؛ لأن الصحبة على ثلاثة أنواع: طرفان ووسط، صحبة أيجابية، صحبة سلبية، (هذان طرفان) وصحبة طيبة نعم لكنها لا تنفع ولا تضر. الصاحب الإيجابي تشعر أنك كلما التقيتَ به ارتقيت إلى أعلى، وآخر سلبيّ يشدك إلى أسفل، وصاحب طيب فعلا لكنه لا يفعل شيئا، تقابله كما لو لم تقابله.
فالصحبة السلبية تنفيها تماما، الصحبة التي لا تضر ولا تنفع لا بأس بها، هي أفضل من جليس السوء، لكن لابد أن تبحث عن الصحبة الإيجابية. حين تسمع عن درس أو خطبة جمعة من أحد من الشيوخ يؤثر في قلبك ويعلي من همّتك، فسافر له لو لم يكن في بلدك، إن قلبك يستحق أن تجوب الأرض تطلب عافيته. فأنت إذا أردت أن تروح عن نفسك تذهب إلى أي مكان وتنطلق، قلبك يستحق أكثر من هذا. مجالس العلم، الأذكار الموظفة، كأذكار الصباح والمساء وغيرها. ولن تستطيع أن تثبت على هذا إلا إذا كان لديك صحبة إيجابية ترفعك إلى أعلى، ونسأل الله جل وعلا أن يقيّض لك الصحبة الصالحة ممن ينفعك.
س5/ امرأة تسأل عن قراءتها القرآن في وسيلة مواصلات فتخاف أن يلحق بقلبها رياء، فتترك القراءة أحيانا خوف ذلك.
[هذه] الأخت تقرأ القرآن خارج البيت، ويأتيها هاجس يقول لها أنت مرائية في عملك، فيحملها ذلك على ترك القراءة. هذا أكبر غلط، ماذا يريد الشيطان أكبر من ذاك؟ يأتي لأهل الديانة ويشككه في العمل حتى يترك العمل، فما هو القصد في النهاية؟ أن تترك الذكر بدعوى أن هذا داخل في الرياء. هذا نوع من الوسواس، اقهري هذا الوسواس واقرئي، ولا تتركي وِرد القرآن، لا تتركي عمل البر أبدا بدعوى أن في هذا رياء.
الإنسان يقرأ القرآن في الخارج، فإذا أحب أن يثني عليه الناس قبل فعل الفعل فهذا هو الرياء، أركب وسيلة من وسائل المواصلات، ومعي المصحف في حقيبتي، فقلت في نفسي: فلأخرج المصحف واقرأ ليعلم هؤلاء الناس أنني متدين. إذا ورد هذا الخاطر على الإنسان فلا يخرج المصحف، لكن لم يكن عندي هذا الخاطر، وأريد أن أقرأ القرآن، بدل أن أمشي هذا الطريق بدون قراءة القرآن، [ما دام] ليس عندي هذا الهاجس، فلأخرج المصحف وأقرأ فورا؛ فهذا هو الضابط بين الرياء والإخلاص.
س6/ رجل يسأل عن حديث و دعاء تثبيت الحفظ
ج/ هذا الحديث معروف، وهو حديث باطل.
س7/ رجل يسأل عن كيفية إتيان المرأة وهي حائض أو نفساء.
الرجل الذي يسأل عما يحق للرجل من امرأته في المباشرة إذا كانت حائضاً أو نفساء: تجنّبْ الفرج، ولك ما دون ذلك، أي ليس علك جناح في أي شيء تفعله إلا القُبل والدُّبر كما نصتْ عليه الأحاديث.
س8/ إمام يصلي بالناس في مسجد يصاب بنزول قطرات من البول كل يومين او ثلاثة بعد الوضوء.
بالنسبة للإمام الراتب الذي يسأل عن سلس البول فنحن نقول إذا كان هذا من باب العذر الدائم له فيأخذ حكم أهل الأعذار، لكن من الواضح أن هذا [يحدث معه] كل يومين أو ثلاثة فحُقَّ له أن يحتاط لنفسه، فلابد أن يدخل الخلاء قبل الفرض بمدة حتى يستطيع مع الحركة أن قطرة البول التي يشهر بها أن يكون قادرا على التخلص منها، ثم يعيد الاستنجاء مرة أخرى ثم يصلي، طالما أنه إمام راتب لابد أن يحتاط ويصلي بالناس صلاة صحيحة، وإن كان من أهل الأعذار فصلاته صحيحة أيضا، والقاعدة تقول: من صحّتْ صلاتُه لنفسه، صحّتْ لغيره.
أخيراً، لدينا دقيقتان او ثلاث، أريد ان أنبّه على بدعة عيد الأم، لا أريد أن أقضي الكلام قبل أن أتحدث عن عيد الأم، طبعا هذا بدعة، والاحتفال به لا يجوز، وأريد ان أقول إن أي إعلانات، سواء كانت في قناة الناس أو كانت في قنوات أخرى، وتتكلم عن عيد الأم، وشراء العباءات لأجل عيد الأم، كل هذا لا يجوز أيضاً؛ لأن كثير من الناس يكلمونني عن وجود بعض المخالفات في الإعلانات أو غيرها في القناة، فأنا أقول يا أخوة: ليس عندي جهاز تلفزيون، ولا أعرف شيئا عن البرامج التي تعرضها القناة، أي أخ- حين يتصل بي- ويسألني عن فتوى من الفتاوى ويقول أناس قالوا كذا وإعلان فيه كذا ونحو ذلك، فإني مباشرة كواجب ونصيحة أبلغ القناة، والحقيقة أنهم دائما يبدون مرونة في التعاون، وأي مخالفات فليس لديهم مانع في رفع هذه المخالفات، لكن بكل أسف أن هذا الأمر لا يُعرض علينا حتى نبدي فيه الرأي، ولو عرضوه علينا لأبدينا فيه الرأي. ونحن نرجو من الأخوة القائمين أن يكثّفوا الجهد ولا يعرضون شيئا على القناة إلا إذا كان مشروعا؛ لأن الناس أصبحتْ تثق بحمد الله في هذه القناة وفي غيرها من القنوات الجادة مثل (قناة الحكمة) الفضائية، ونسأل الله أن يكثّر من سواد هذه القنوات لنعلم الناس دينهم، فأي شيء يعرض على هذه القناة- لا سيما مع ظهورنا وظهور المشايخ الأجلاء- ليعطي نوعاً من المصداقية، فأي شيء يُعرض يقال: لابد أن الشيوخ يعرفون هذا، ولولا أنهم يعرفون هذا ما سمحوا بظهوره. والواقع بخلاف هذا، فأنا إذا وصلني شيء في مخالفة فإني أنبّه عليه، وكذلك المشايخ الفضلاء الأجلاء الذين يظهرون على هذه القناة وعلى غيرها إذا وصلهم شيء أيضا ينبهون عليها أيضا، وليس على رؤوسنا "بطحة" ولا لأحد عندنا أي شيء، ونحن نقول الحق بحمد الله مجردا ولا نخاف في الله لومة لائم، ونسأل الله عز وجل أن يصلح حال المسلمين، واللهَ عز وجل أسأل أن يجعل ما قلناه وما سمعناه زادا إلى حسن المصير إليه، وعتاداً إلى يمن القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين. وأعتذر عن هذا السعال الذي اضطررت إليه، وأسأل الله أن يعافيني ويعافي مرضى المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
رابط الحلقة فيديو